يعلن مذياع
المحطة، القطار القادم من دمياط ألي المنصورة سوف يتأخر عن موعد وصوله ,
وضع راحتيه علي عصاه " المعكوفة " وأسند ذقنه عليها برفق وكأنها وسادة
ناعمة , أغمض عينيه مرغماً علي فترة راحة يقضيها دائماً منذ أن أصبح غير
قادر علي العمل ،
يصاب حلقه بغصة كلما تذكر أنه لم يفلح في الحصول علي معاش من مصلح السكة الحديد بعد أن قضي علي أرصفتهاة أربعون عاماً , أعتلي أحد أحفاده فخذيه وتشبث بكم جلبابه الواسع , لم يعر من حوله اهتماماً , ترك شريط حياته ينساب من مخبئه صوراً متتابعة أمام عينيه , أوفق الشريط يتأمل نفسه واقفاً علي ذات الرصيف مرتدياً " بدلته " الزرقاء تزينها رخصته النحاسية, تبرق في ضوء الشمس , تعلن للركاب عن مهنته " شيَّال " , انتبه لحظة , أصلح من وضع حفيده في حجره ثم عاد سريعاً لمتابعةأحداث شريط ذكرياته , أبصر نفسه مازال واقفاً علي رصيف المحطة يستقبل ويودع الركاب ، ينهي فيهم ويأمر ينصح لهم ويرشد ، يحدد لنفسه قيمة الأجر ولا مرد لحكمه كملك متوج علي المحطة , يداعب دائما زملائه والمسافرين مازحاً , لا يسلم من سخريته الناقدة أحداً حتى أهل بيته , ابتسم و انفرجت أساريره وجهه عندما تذكر تلك الليلة , بينما كان ينتظر القطار القشاش وهو يدخل المحطة , إذ لمح علي ضوء مصباحه خواجة بقبعة كبيرة ، تتدلي رأسه من النافذ، انبهر بعض الشيء بملامح ووجهه الناصع البياض المشوب بحمرة تبرز جمال عينين زرقاء انتبه "أيوب " عندما ناداه بلكنة أجنبية
: " أنت يا شيَّال 00 إنت يا خُمار "
: تحت أمرك يا خواجة 00
حدث نفسه صيد ثمين 00 خواجة إنجليزي وحقيبة صغيرة و صندوق خشبي سهل الحمل 00أجرة كبيرة مضمونة الدفع دون مساومة 00 " يا مهوِّن "
صوت المذياع أعاده إلي واقعه, فتح عين واحدة , التقط بها صورة سريعة للمحطة ،كلهم في حالة انتظار ، توقع أن يعلن ناظر المحطة عن وصول القطار المتأخر 0 خاب ظنه عندما تأكد أن النداء لاستدعاء" للمحولجي " لأمر هام
عاد " أيوب " لشريط ذكرياته اللذيذ يجتر منه بنهم باقي حكايته مع " زيون " آخر الليل
: علي فين يا خواجه ؟
: " الكونت يا خبيبي "
: " استراحة الري 00يا ليله سوده 00 دي في آجر الدنيا "
ابتلع " أيوب " ريقه وهيأ نفسه لرحلة مرعبة , حمل الصندوق الحديدي
علي ظهره ،كادت ذقنه تلمس وجه الأرض من وطأت حمله الثقيل 00 صرخ سائلاً
: إيه اللِّي في الصندوق ده يا خواجة ؟
: اخرس يا خُمار
اخترقا شوارع المدينة المظلمة علي هدي بصيص من نور يتسرب علي استحياء من قناديل معلقة علي نواصي حوائط المنازل , تطاردهم كلاب الشوارع الضالة من حين لآخر
حاول " أيوب " أن يجاذب الخواجة أطراف الحديث ليهون علي نفسه من وطأة حمله الثقيل وسكون الليل الرهيب ، دون جدوى , يقطع حلقات الخوف صوت عواء ذئب قادم من خلف جسر النيل ، يتصبب العرق من جبهته ويسيل علي ظهره
كاد التعب أن ينال منه لولا أن رأي باب الاستراحة، الباب مغلق ، طرقه بلهفة ، لم يجبه من الداخل أحدا ، نادي " أيوب " بقوة
: " يا هل لله يا اللِّي هنا 00!!؟"
أزعج صوته البوم القابع علي سطح الاستراحة، ففر هارباً في كل اتجاه انزعجت الفئران وفرت مذعورة ، التفت "أيوب "بحمله الثقيل ناحية الخواجة
: مفيش حد هنا يا خواجة 00 والاستراحة مهجورة "
: " إرجع يا خُمار إلي استراخة السكة الخديد "
عاد ا من نفس الطريق الموحش ، نال التعب من " أيوب" وكاد أن يسقط علي الأرض , لكنه ما إن وصل إلي مشارف المدينة ، أصابته طمأنينة ، ما إن طرق باب استراحة السكة الحديد حتى استقبلهم عاملها بترحاب مريب ، وكأنه علي علم بموعد الوصول ، بمجرد أن قال : حمد الله علي السلامة000 ،
وإذا بزملاء " أيوب " يخرجون من مخبأهم ، انتابتهم موجة من الضحك المتواصل ، خلع الخواجة المستعار " البرنيطة " ومسح عن وجهه الأصباغ والألوان واستلقي علي ظهره ضاحكاً ،
تيقن "أيوب " أنه شرب" المقلب " حتى الثمالة
واسي نفسه هامساً : " كان أهون من مقلب ناظر المحطة عندما أخبره أنه ليس موظف بالمصلحة ولا يستحق معاش00
يعلن المذياع دائماً عن وصول القطار المتأخر ، حمل " أيوب" حفيده حفيده علي كتفه وتهيأ لصعود القطار 000
يصاب حلقه بغصة كلما تذكر أنه لم يفلح في الحصول علي معاش من مصلح السكة الحديد بعد أن قضي علي أرصفتهاة أربعون عاماً , أعتلي أحد أحفاده فخذيه وتشبث بكم جلبابه الواسع , لم يعر من حوله اهتماماً , ترك شريط حياته ينساب من مخبئه صوراً متتابعة أمام عينيه , أوفق الشريط يتأمل نفسه واقفاً علي ذات الرصيف مرتدياً " بدلته " الزرقاء تزينها رخصته النحاسية, تبرق في ضوء الشمس , تعلن للركاب عن مهنته " شيَّال " , انتبه لحظة , أصلح من وضع حفيده في حجره ثم عاد سريعاً لمتابعةأحداث شريط ذكرياته , أبصر نفسه مازال واقفاً علي رصيف المحطة يستقبل ويودع الركاب ، ينهي فيهم ويأمر ينصح لهم ويرشد ، يحدد لنفسه قيمة الأجر ولا مرد لحكمه كملك متوج علي المحطة , يداعب دائما زملائه والمسافرين مازحاً , لا يسلم من سخريته الناقدة أحداً حتى أهل بيته , ابتسم و انفرجت أساريره وجهه عندما تذكر تلك الليلة , بينما كان ينتظر القطار القشاش وهو يدخل المحطة , إذ لمح علي ضوء مصباحه خواجة بقبعة كبيرة ، تتدلي رأسه من النافذ، انبهر بعض الشيء بملامح ووجهه الناصع البياض المشوب بحمرة تبرز جمال عينين زرقاء انتبه "أيوب " عندما ناداه بلكنة أجنبية
: " أنت يا شيَّال 00 إنت يا خُمار "
: تحت أمرك يا خواجة 00
حدث نفسه صيد ثمين 00 خواجة إنجليزي وحقيبة صغيرة و صندوق خشبي سهل الحمل 00أجرة كبيرة مضمونة الدفع دون مساومة 00 " يا مهوِّن "
صوت المذياع أعاده إلي واقعه, فتح عين واحدة , التقط بها صورة سريعة للمحطة ،كلهم في حالة انتظار ، توقع أن يعلن ناظر المحطة عن وصول القطار المتأخر 0 خاب ظنه عندما تأكد أن النداء لاستدعاء" للمحولجي " لأمر هام
عاد " أيوب " لشريط ذكرياته اللذيذ يجتر منه بنهم باقي حكايته مع " زيون " آخر الليل
: علي فين يا خواجه ؟
: " الكونت يا خبيبي "
: " استراحة الري 00يا ليله سوده 00 دي في آجر الدنيا "
ابتلع " أيوب " ريقه وهيأ نفسه لرحلة مرعبة , حمل الصندوق الحديدي
علي ظهره ،كادت ذقنه تلمس وجه الأرض من وطأت حمله الثقيل 00 صرخ سائلاً
: إيه اللِّي في الصندوق ده يا خواجة ؟
: اخرس يا خُمار
اخترقا شوارع المدينة المظلمة علي هدي بصيص من نور يتسرب علي استحياء من قناديل معلقة علي نواصي حوائط المنازل , تطاردهم كلاب الشوارع الضالة من حين لآخر
حاول " أيوب " أن يجاذب الخواجة أطراف الحديث ليهون علي نفسه من وطأة حمله الثقيل وسكون الليل الرهيب ، دون جدوى , يقطع حلقات الخوف صوت عواء ذئب قادم من خلف جسر النيل ، يتصبب العرق من جبهته ويسيل علي ظهره
كاد التعب أن ينال منه لولا أن رأي باب الاستراحة، الباب مغلق ، طرقه بلهفة ، لم يجبه من الداخل أحدا ، نادي " أيوب " بقوة
: " يا هل لله يا اللِّي هنا 00!!؟"
أزعج صوته البوم القابع علي سطح الاستراحة، ففر هارباً في كل اتجاه انزعجت الفئران وفرت مذعورة ، التفت "أيوب "بحمله الثقيل ناحية الخواجة
: مفيش حد هنا يا خواجة 00 والاستراحة مهجورة "
: " إرجع يا خُمار إلي استراخة السكة الخديد "
عاد ا من نفس الطريق الموحش ، نال التعب من " أيوب" وكاد أن يسقط علي الأرض , لكنه ما إن وصل إلي مشارف المدينة ، أصابته طمأنينة ، ما إن طرق باب استراحة السكة الحديد حتى استقبلهم عاملها بترحاب مريب ، وكأنه علي علم بموعد الوصول ، بمجرد أن قال : حمد الله علي السلامة000 ،
وإذا بزملاء " أيوب " يخرجون من مخبأهم ، انتابتهم موجة من الضحك المتواصل ، خلع الخواجة المستعار " البرنيطة " ومسح عن وجهه الأصباغ والألوان واستلقي علي ظهره ضاحكاً ،
تيقن "أيوب " أنه شرب" المقلب " حتى الثمالة
واسي نفسه هامساً : " كان أهون من مقلب ناظر المحطة عندما أخبره أنه ليس موظف بالمصلحة ولا يستحق معاش00
يعلن المذياع دائماً عن وصول القطار المتأخر ، حمل " أيوب" حفيده حفيده علي كتفه وتهيأ لصعود القطار 000
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق