الخميس، ١٧ سبتمبر ٢٠٠٩

صفحات من تاريخ اليهود



مقدمة
يقول الإمام محمد عبده " إن قراءة التاريخ واجب من الواجبات الدينية وركن من أركان اليقين لابد من تحصيله " ونحن بصدد بحث نتعرف فيه علي معالم الشخصية اليهودية أين نشأت و كيف تكونت سماتها الشخصية وخصائصها عن طريق تتبع سيرتها عبر الزمان الموغلة في القدم والحديثة ، ليس بحثاً عقائدياً بل بحثاً اجتماعياً ، فعندما نقرأ صفحات من تاريخ اليهود نجد فيه غرابة بعيدة عن التصديق ، تتمثل في أساطير وحكايات وقصص تاريخية ، ليس لها اصل أو دليل ، وقد عجز المؤرخون وعلماء الآثار والباحثون في الاهتداء إلي أثر مبني أو مكتوب يؤيد تلك المزاعم ، والغريب والمدهش أنهم يقدسون تلك الأساطير والحكايات والقصص ويجعلونها منهج حياتهم بل يعتبرونها أساساً في ادعائهم بالتميز عن باقي الجنس البشري فلا حضارة لهم ولا عمران ولا حتى اثر مكتوب أو حتى علم أو ثقافة استفادت منه البشرية أو انتفعت به الأجيال المتعاقبة أو لهم معلم من تراث شاهد علي ادعائهم ، سوي الأسفار التي كتبوها بأيديهم سواء في بابل العراق أثناء الأسر علي يد { سرجون ثم بختنصر } أو الأسفار التي كتبت في القدس وشروحها أو حكاياتهم الشفهية 0
والحقيقة التي لا تقبل الشك هي زمن ظهور بني إسرائيل ، كان في أوج ازدهار حضارات عظيمة علي أرض فارس وبلاد ما بين النهرين ـ دجلة والفرات ـ والشام وحضارة وادي النيل ، والحدود الجغرافية لهذه الحضارات هي أيضا الحدود الجغرافية التي تحركت بين وديانها تلك القبائل العبرية الرعوية " الأسباط " والسبط قبيلة مسترسلة الشعر ، كانوا ينتقلون من وادي إلي وادي آخر بحثاً عن المرعي والطعام وهذا أول ملمح من طبيعة القبائل الرعوية ، لا يستقروا علي أرض ولا يعمرون وادي ، عاشوا حياتهم ، بلا مأوي أو وطن وطالما كانت طريقة حياتهم ترحال لا استقرار علي أرض ليست لهم ، فمن الطبيعي ألا يعمروا أو يبنوا علي أرض غيرهم ، لذلك لا توجد لهم حضارة يفخرون ببنائها 00
فالحضارة أساسها العمران ، والعمران لا يكون إلا من إنسان ، إذا سكن ارض صماء ، استنطقها ، وإذا كانت جرداء خضَّرها ، فحركة الإنسان علي الأرض تترك أثر ، والتاريخ هو ظل الإنسان علي تلك الأرض ، وكل أثر يجده علماء الآثار يعتبرونه سطر من حضارة الأمة التي تركته ، ومن تلك السطور يتكون تاريخ الأمم
ويقول علماء اللغة أن كلمة تاريخ ن أصلها فارسي " ماروز " وتعني نهاية الشيء ، ثم عربت ـ أرخ يؤرخ تاريخاً ومنها مؤرخ وتعني الشيء المتتبع للوقائع والأحداث لواقعة ما وتحديد مكان حدوثها والزمن التي وقعت فيه بكل دقة والأمة التي وقعت في عصرها الأحداث ، وغالباً ما يؤرخ لها بحادثة شهيرة ـ قبل الطوفان ، بعد الطوفان عام الفيل 00 بوم بعاث 00 يوم حنين الخ ـ
ويقول ابن خلدون في مقدمته " كثيراً من وقع المؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع 00 لاعتمادهم فيها علي مجرد النقل ، غثاً أو سميناً ، لم يعرضوها علي أصولها ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سروها بمعيار الحكمة والوقوف علي طبائع الكائنات وتحكيم البصر والبصيرة في الأخبار ، فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط 00 "
فالسرد التاريخي لحياة الأمم ليس بغرض التسلية ، ولكن بغرض فهم هذا التاريخ ، وذلك بإعادة التفكير في الماضي بصفة مستمرة وربطه بالحاضر ، لأخذ العظة والعبرة من أخطاء الأمم السابقة
" لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " ولكي نقرأ صفحات من تاريخ بني إسرائيل ، علينا أن نقتفي أثرهم أينما رحلوا ونتتبع هجرتهم المتكررة ما بين العراق ومصر مروراً بأرض الشام ، لنتعرف علي خصائصهم وطريقة تعاملهم مع شعوب البلاد الذين لجأ إليهم بني إسرائيل وكذلك علاقتهم فيما بينهم ، ولكي نتأكد أننا نتبع خطاهم الصحيحة فلابد لنا من علامات إرشادية تدلنا علي صحة المسير ، ويلزمنا أيضاً مصادر نرجع إليها ، تدلنا علي صحة الوقائع وهذا أمر عسير !! ؟ فقد عجز المؤرخون والمفسرون وعلماء الآثار في أن يهتدوا إلي مصادر تاريخية موثقة
{ حفريات ، آثار برديات } أو حتى موثوق بها لبني إسرائيل ، سوي أسفار التوراة الذي يحتوي علي قصص وأساطير ـ بزعم كتُّابه ـ تجافي العقل وطبائع الأشياء ، وعلي الرغم من أن القران ليس كتاب تاريخ إلا أنه حوي تعليقاً جارياً علي الوقائع والأحداث المهمة التي وردت بالتوراة وعاصرت نزولها ، أما اللقطات والمشاهد القصصية التي وردت متفرقة عن بني إسرائيل دون ذكر تسلسل زمني وتفاصيل سردية لها فإنما يرجع إليها للتأكد من صحة الواقعة وصدق حدوثها دون ذكر تفاصيل سردية أو تحديد تاريخ زمني لحدوثها ، بالإضافة إلي ما كتبه الباحثون بشأن تاريخ اليهود عبر القرون الماضية ، والتي سوف نستعرض بعصاً من صفحاتها في هذا البحث ، علينا إذاً إعمال العقل والتفكير فيما نقرأه أو يعرض علينا ، فإن قبله العقل والمنطق ، كان بها ونعمة وإن عجز العقل عن فهمه أو قبوله منطقياً ، نطبق عليه قول رسول الإسلام محمد بن عبد الله " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " 00
وفي تسميات اليهود يقول الدكتور جمال حمدان : ثمة تسميات ثلاثة مترادفات ـ بني إسرائيل ـ العبريون ـ اليهود ـ
1 ـ بني إسرائيل : منسوبة إلي سيدنا يعقوب عليه السلام فرب العزة هو الذي أسماه إسرائيل " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل علي نفسه 000 الآية "
2 ـ العبريون : أو العابرون أو العابيرو وهو اسم مشتق من هجرتهم من كلدان إلي كنعان حيث
"عبروا " الأنهار ، نهر الفرات ونهر الأردن ومخاضة اليرموك والعابيرو تعني عند البدو القبائل الرحل وعند المصريين القدماء تعني المرتزقة
2 ـ اليهود : واللفظ مذكور في القرآن الكريم بمعني التائبون بعد أن تابوا إلي بارئهم بقتل أنفسهم وهو الشرط الذي فرضه الله عليهم لقبول توبتهم وهناك بعد أراء تنسب تسميه يهود إلي احد الأسباط من أبناء يعقوب عليه السلام ويدعي " يهوذا " وإليه تنسب مملكة بني إسرائيل الجنوبية بعد دمار الهيكل ومعه سبط بنيامين ومملكة الشمال لباقي الأسباط العشرة وتعرضت المملكتين لضربات متوالية من المصريين والفرس إلي أن قضي عليهما تماماً " نبوختنصر " ودمر أورشليم عام " 586 ق م " وتم أسر اليهود وترحيلهم إلي سجن بابل وهو ما يعرف في تاريخ اليهود يالشتات البابلي ثم أعقبه الشتات الهلليني والشتات الروماني وبقايا اليهود قوبلوا بمذبحة نهائية تعرف بمذبحة " هدريان " وهي التي ختمت إلي الأبد علي مصير اليهود كدولة وقومية ونتيجة لذلك حدث تحول مفاجئ في الشخصية اليهودية من شرسة ودموية وعنيفة وخبيثة ومكارة ألي شخصية مستضعفة خانعة تحقق أغراضها بالوسائل الناعمة والملتوية وبالتزييف والمكر والخديعة وتلك الصفات عاشوا بها في بلاد الشتات ، انعزلوا في أطراف المدن وعلي حوافها وتحصنوا في كيتونات معزولة عن أهل البلاد التي يعيشون بينهم كيف وصلوا إلي هذه البلاد وماذا فعلوا بها وكيف تحكموافي مقدرات شعبها وكيف أقنعوا العالم بفكرة أحقيهم في وطن ولماذا فلسطين بالذات وكيف صهينوا الفكر المسيحي الغربي ذلك مجال البحث نطلب من الله العون والمدد لإتمامه
يتبع

ليست هناك تعليقات: